يسرى الفخرانى
يسرى الفخرانى


فنجان قهوة

سعاد حسنى  وسِرها الأخير

أخبار اليوم

الجمعة، 12 يناير 2024 - 07:53 م

كنت أمر على بولاق حين رأيت مقهى صغيرا على ناصية يُعلق صورة جميلة لسعاد حسنى فى برواز مُذهب بسيط، أسعدتنى المفاجأة، فى زحام بولاق وانشغال أهلها بأكل العيش زينت صورة سعاد الحارة الضيقة المخنوقة باندفاع التوك توك للدخول والخروج !

سعاد هنا، لأنها عاشت هنا، بيده أشار الرجل العجوز القابض على فرشة تلميع الأحذية فى المقهى الصغير (بيتها اللى هناك)، وانشغل فى حركة فرشته الضخمة على الحذاء، أياً كانت حقيقة ما قاله عن البيت فثمة شغف من أهلها بحياة سعاد هنا، وهى عاشت بين بولاق والزمالك، مسافة سكة قصيرة لا تتعدى خمس دقائق مشى بينهما صعدت من الأرض إلى السماء من شقاوة الطفولة المشوبة ببعض التعاسة إلى شقاء النجومية المشوبة بالحذر.

يناير شهر ميلاد سعاد، موسم تحليق الفراشات الملونة، لم تحب سعاد السفر ولم يكن فى أجندتها التى كتبت فيها خواطرها وأحلامها سطر عن سفر، كانت قنوعة بالوحدة فى بيتها الصغير فى انتظار أصدقاء قدامى رحلوا (جاهين وعبد الحليم والخميسى مثالا)، لم يكن تليفونها الذى احتفظت برقمه سرا يدق بأجراس المعجبين والمنتجين، وكان بواب العمارة هو مرسالها فى طلبات البيت والجرايد والمجلات .

إذا لم يكن معها جواب أخير أنها ستموت فى لندن وحيدة!

قالت مرة أن صلاح جاهين قال لها نبؤة أنها ستموت فى التسعين وحولها حبايب بلا عدد يضحكون ومن ضحكة شاردة ستموت، ستموت وهى تضحك. وكانت سعاد سعيدة بالنبؤة رغم أنها كانت تعرف أن قلب جاهين يكذب عليها ليسعدها !

سعاد كما عرفتها فراشة تهوى اللعب حول الزهور والقفز بين حقول العنب و يغويها الضوء حتى الاحتراق، بسيطة بساطة طفل يكسر حصالته فى ليلة عيد ليشترى ملابس جميلة لأطفال تعساء !

سعاد «سطرين» وليست حياة تمتلئ بالتفاصيل والأسرار، «سطرين» واضحين يتم تكرارهما فى رواية ضخمة، عشقت الفن عشقا صوفيا يذوب بها فى الذات حتى التلاشى، لكنها لم تحب نفسها بالقدر ذاته فأهملت الفراشة حتى حامت فوق شعلة شمعة وسقطت !

سعاد تاج الممثلات فى مائة عام وأكثر من السينما، مرصع باللؤلؤ الثمين، قيمته يبقى وقيمتها تعلو كلما مضى عليها زمن بعد زمن،  .

مضت الخجولة سعاد إلى حيث أنهت الرحلة، كان السفر من بولاق إلى الزمالك طويلا رغم قصر المسافة، سار معها فى الطريق زمن لم يعد معنا، زمن غنى بالتفاصيل والشجن والبشر والأحلام العظيمة، وقد صدقت كل ذلك وامتصت رحيقه، وبدونه لم تكن سعاد التى عرفناها، الزمن الغنى صنع منها ممثلة لها جذور عميقة فى الأرض الرحبة !

سعاد  قصة الحب التى صارت ذكرى فى منتهى الجمال. السر الأخير أنها عاشت كل حياتها تصنع الخير وتنثره كما كل الزهور فى كل مواسمها، ومازال الأطفال الذين ساعدتهم فى صناعة طفولة سعيدة لهم يتذكرونها وقد كبروا.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة